الصحة

الداء النشوانى – Amyloidosis المرض الذي تسبب في وفاة عمر سليمان

ما هو هذا المرض النادر الذي يهاجم أعضاء الجسم؟

هل سمعت يومًا عن مرض يُدعى الداء النشواني؟ ربما مرّ عليك ذكره في وسائل الإعلام عند الحديث عن حالات طبية نادرة وخطيرة، كما حدث في حالة اللواء عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات المصري الأسبق، حيث تم تداول أن الداء النشواني كان السبب في وفاته. بغض النظر عن صحة هذا الخبر، فإننا في هذا المقال نركز على هذا المرض من الناحية العلمية والطبية البحتة، لفهم طبيعته، أنواعه، أعراضه، وكيفية التعامل معه.

الداء النشواني أو Amyloidosis هو مرض نادر وخطير ناتج عن تراكم بروتين غير طبيعي يُعرف باسم “الأميلويد” في أعضاء وأنسجة الجسم. هذا البروتين، الذي لا يُفترض أن يكون متراكمًا بتلك الطريقة، يتسبب في خلل كبير في وظيفة الأعضاء الحيوية، ما قد يؤدي إلى فشلها بشكل تدريجي، وفي بعض الحالات، إلى الوفاة.

ولتوضيح الفكرة، يمكن تشبيه هذا المرض بما يحدث لرئة المدخن بعد سنوات من استنشاق المواد الضارة، حيث تتراكم هذه المواد وتخرب أنسجة الرئة. بالمثل، في الداء النشواني، تتراكم البروتينات في الأنسجة محدثة ضررًا بالغًا في البنية والوظيفة.

ما هو الداء النشواني؟

الداء النشواني هو حالة ناتجة عن ترسب نوع خاص من البروتين يُسمى “الأميلويد” في الأنسجة. البروتين الطبيعي يتحلل بسهولة بعد أداء وظيفته، ولكن في هذه الحالة، يتراكم بشكل غير طبيعي، ولا يستطيع الجسم التخلص منه مما يؤدي إلى ترسبه في الأنسجة المختلفة.

المرض قد يكون موضعيًا، أي يقتصر على عضو معين مثل الجلد أو المثانة أو الحنجرة، ويُسمى في هذه الحالة داء نشواني موضعي. أو يكون عامًا، أي يؤثر على عدة أعضاء داخل الجسم، ويُطلق عليه داء نشواني جهازي أو عام.

أنواع الداء النشواني العام

1. الداء النشواني الأولي (AL Amyloidosis)

يحدث هذا النوع دون وجود مرض آخر مسبق. يُنتج نتيجة خلل في خلايا البلازما في نخاع العظم، وهي خلايا مسؤولة عن إنتاج الأجسام المضادة التي تحمي الجسم من الأمراض. عندما يحدث هذا الخلل، تبدأ هذه الخلايا في إنتاج كمية كبيرة من جزء من هذه الأجسام المضادة يُعرف باسم السلاسل الخفيفة (Light Chains)، وهي بروتينات غير قابلة للتحلل بسهولة.

تتراكم هذه البروتينات في أنسجة الجسم مثل القلب، الكلى، الكبد، الجهاز العصبي، والجهاز الهضمي، مسببة تلفًا تدريجيًا قد يؤدي إلى الفشل العضوي الكامل. غالبًا ما يُعالج هذا النوع باستخدام العلاج الكيماوي الذي يستهدف الخلايا المنتجة للبروتين الضار. في بعض الحالات، يتم اللجوء إلى زراعة الخلايا الجذعية بعد التخلص من الخلايا المريضة.

2. الداء النشواني الثانوي (AA Amyloidosis)

ينتج هذا النوع عن أمراض مزمنة أو التهابية طويلة الأمد. على سبيل المثال، مرض السل، التهابات المفاصل المزمنة، التهابات العظام، وأمراض المناعة الذاتية مثل الذئبة الحمراء أو مرض كرون. في هذه الحالات، ينتج الكبد بروتين يُعرف باسم “البروتين المصاحب للأميلويد A” كرد فعل على الالتهاب، ويتراكم لاحقًا في الأنسجة.

يتطلب علاج هذا النوع السيطرة على المرض المسبب له، إذ أن التحكم بالتهاب المفاصل أو السل يقلل من إنتاج البروتين ويمنع تدهوره. تختلف درجة الضرر بحسب سرعة التشخيص والسيطرة على المرض الأولي.

3. الداء النشواني العائلي (Hereditary Amyloidosis)

هذا النوع نادر جدًا، وينتج عن خلل وراثي في جينات معينة. ينتقل هذا الخلل من الآباء إلى الأبناء، ويؤدي إلى إنتاج بروتين غير طبيعي يُعرف باسم “ترانستيريتين” (Transthyretin)، وهو بروتين ينقل الفيتامين A والهرمونات. عند حدوث طفرة جينية في هذا البروتين، يصبح أكثر عرضة للترسب في الأنسجة.

تظهر الأعراض عادة في منتصف العمر أو لاحقًا، وتشمل مشاكل في الجهاز العصبي، القلب، والجهاز الهضمي. يُعالج هذا النوع من خلال أدوية تبطئ من إنتاج البروتين المعيب، أو في بعض الحالات عبر زراعة الكبد.

أعراض الداء النشواني

تختلف الأعراض بحسب نوع البروتين المتراكم والعضو المصاب. بشكل عام، فإن ترسب البروتين في الأنسجة يؤدي إلى خلل وظيفي في العضو المصاب، مما يجعل الأعراض متنوعة. من أبرز الأعراض:

  • إرهاق عام وشعور دائم بالتعب.
  • ضيق في التنفس، خاصة عند بذل مجهود بسيط.
  • نقص واضح في الوزن بدون سبب ظاهر.
  • فقدان الشهية تدريجيًا.
  • خدر أو تنميل في الأطراف نتيجة تأثر الأعصاب.
  • تورم وانتفاخ في اللسان مما يؤدي إلى صعوبة في الكلام أو البلع.
  • تضخم في الكبد أو الطحال في بعض الحالات.
  • فشل كلوي يظهر من خلال تورم القدمين، ارتفاع ضغط الدم، أو زيادة البروتين في البول.

تشخيص المرض

يتطلب تشخيص الداء النشواني عددًا من الفحوصات الدقيقة، لأن أعراضه غالبًا ما تتشابه مع أمراض أخرى. يعتمد التشخيص المؤكد على فحص عينة نسيجية (خزعة) من العضو المصاب، ويتم تلوين العينة بصبغة خاصة تُعرف باسم “صبغة الكونغو الحمراء”، حيث تظهر البروتينات تحت المجهر بشكل مميز يُشبه ألياف النشاء.

بالإضافة إلى الخزعة، تُستخدم تحاليل الدم والبول، وتصوير القلب، والكلى، والكبد لتقييم مدى انتشار المرض وتأثيره على الوظائف الحيوية.

علاج الداء النشواني

يعتمد علاج الداء النشواني على نوعه، ومرحلة تشخيصه، وحالة الأعضاء المصابة. بعض استراتيجيات العلاج تشمل:

  • العلاج الكيماوي: يُستخدم في حالة الداء النشواني الأولي، بهدف تدمير الخلايا المنتجة للبروتين.
  • زراعة الخلايا الجذعية: قد تُستخدم لاستبدال خلايا نخاع العظم المتضررة.
  • السيطرة على المرض المزمن: في حالة الداء النشواني الثانوي، يكون علاج المرض الأساسي هو الأولوية.
  • الأدوية المثبطة لإنتاج البروتين: خاصة في النوع الوراثي، حيث تستخدم مثبطات مثل Tafamidis أو Diflunisal.
  • زراعة الأعضاء: مثل زراعة الكبد أو الكلى، في حالات تضررها الكامل.

مضاعفات المرض

يكمن الخطر الأكبر للداء النشواني في كونه مرضًا صامتًا في بدايته، حيث قد لا يشعر المريض بأي أعراض واضحة إلى أن تتضرر الأعضاء الحيوية بشكل كبير. من أبرز المضاعفات:

  • فشل القلب الاحتقاني نتيجة ترسب البروتين في عضلة القلب.
  • الفشل الكلوي الكامل الذي يتطلب الغسيل الكلوي.
  • تضخم الكبد أو الطحال وفقدان وظيفتهما.
  • الاعتلال العصبي الحسي أو الحركي، وفقدان السيطرة على بعض الحركات أو الأحاسيس.

فرص الشفاء والبقاء

تعتمد فرص النجاة من هذا المرض على عدة عوامل، أهمها:

  • نوع الداء النشواني (أولي، ثانوي، وراثي).
  • مدى انتشار المرض في الأعضاء الحيوية.
  • الاستجابة للعلاج الكيماوي أو العلاجات الحديثة.

إذا تم التشخيص في مراحل مبكرة، وتم بدء العلاج بشكل مناسب، فإن فرص السيطرة على المرض والتحسن تكون أكبر. أما في الحالات المتقدمة التي يتضرر فيها القلب أو الكلى بشدة، فإن التحدي يصبح أكبر، ويزداد خطر الوفاة.

الداء النشواني مرض نادر لكنه خطير جدًا، قد يُصيب أي عضو في الجسم إذا لم يُكتشف مبكرًا. الفهم الجيد لطبيعته، وأعراضه، وأنواعه، يُساهم في رفع الوعي به، مما يساعد في تشخيصه مبكرًا وعلاجه بشكل أفضل. وعلى الرغم من أن علاجاته قد تكون معقدة أو طويلة الأمد، إلا أن التقدم الطبي الحالي يوفر فرصًا جديدة للأمل والتحسن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى